الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَالَّذِي قال لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ اللَّهَ ويلك آمن إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقول مَا هَاذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين}.وقوله: {وَالَّذِي قال لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا}.ذُكِرَ أنه عبدالرحمن بن أبي بكر قال هذا القول قبل أن يسلم: {أُفٍّ لكما} قذرًا لكما أتعداننى أن أُخرج من القبر؟واجتمعت القراء على {أخرج} بضم الألف لم يسم فاعله. ولو قرئت: {أن أَخْرُجَ} بفتح الألف كان صوابا.وقوله: {وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ اللَّهَ}.ويقولان: {ويلك آمن}. القول مضمر يعنى: أبا بكر رحمه الله وامرأته.{أولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القول فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنِّ والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ}.وقوله: {أولائِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القول}.لَمْ تنزل في عبدالرحمن بن أبي بكر. ولكن عبدالرحمن. قال: ابعثوا لى جُدْعان بن عمرو. وعثمان بن عمرو- وهما من أجداده- حتى أسألهما عما يقول محمد صلى الله عليه وسلم- أحق أم باطل؟ فأنزل الله: {أولائِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القول}. يعني: جدعان. وعثمان.{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}.وقوله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ}.قرأها الأعمش وعاصم ونافع المدنى بغير استفهام. وقرأها الحسن وأبو جعفر المدنى بالاستفهام: {أأذهبتم}. والعرب تستفهم بالتوبيخ ولا تستفهم فيقولون: ذَهَبْتَ ففعلت وفعلت. ويقولون: أَذَهَبْتَ ففعلت وفعلت. وكلٌّ صواب.{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.وقوله: {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ}.أحقاف الرمل. واحدها: حِقفٌ. والحِقفُ: الرملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق.وقوله: {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ}.قبله ومن خلفه من بعده. وهي بـ: في قراءة عبد الله {من بين يديه ومن بعده}.{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالواْ هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.وَقوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}.طمعوا أن يكون سحابَ مطرٍ. فقالوا: هذا الذي وعدْتَنا. هذا والله الغيث والخير. قال الله قل لهم: بل هو ما استعجلتم به من العذاب. وفي قراءة عبد الله: {قل بل ما استعجلتم به هى ريح فيها عذاب أليم}. وهو. وَهى في هذا الموضع بمنزلة قوله: {مِنْ مَنِىٍّ تُمْنَى} و{يمنى}. من قال: {هو}. ذهب إلى العذاب. وَمن قال: {هى} ذهب إلى الريح.{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}.وقوله: {فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}.قرأها الأعمش وَعاصم وَحمزة {لا يُرَى إلا مساكنهم}.قال الفراء: وقرأها على بن أبى طالب. رحمه الله.حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدثنى محمد بن الفضل الخرسانى عن عطاء بن السائب. عن أبى عبدالرحمن عن على بن أبى طالب أنه قال: {لا تَرَى إلا مساكِنَهم}.حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال وَحدثنى الكسائى عن قطر بن خليفة عن مجاهد أنه قرأ: {فأصبحوا لا تَرى إلا مساكنهم}. قال: وَقرأ الحسنُ: {فأصبحوا لا تُرى إلا مساكنُهم} وفيه قبح في العربية؛ لأن العرب إذا جعل فِعْل المؤنث قبل إِلا ذَكَّروه. فقالوا: لم يقم إِلا جاريُتَك. وما قام إِلا جاريتك. ولا يكادون يقولون: ما قامت إِلا جاريتك. وَذلك أن المتروك أحد. فأحد إذا كانت لمؤنث أو مذكر ففعلهما مذكر. ألا ترى أنك تقول: إن قام أحد منهن فاضربه. ولا تقل: إن قامت إلا مستكرهَا. وهو على ذلك جائز. قال أنشدني المفضل:
فأنث فعل (مثل)؛ لأنه للنار. وأجود الكلام أن تقول: مارُئى إِلا مثلها.{ولقد مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أَبْصَارُهُمْ ولا أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بآيات اللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.وقوله: {ولقد مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ}.يقول: في الذي لم نمكنكم فيه. و (إن). بمنزلة ما في الجحد.وقوله: {وَحَاقَ بِهِم}.وهو في كلام العرب: عَادَ عليهم. وَجاء في التفسير: أحاط بهم. ونزل بهم.{فَلولا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا الِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.وقوله: {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.ويقرأ أَفَكُهُم. وأَفَكَهُم. فأمّا الإِفك والأَفك فبمنزلة قولك: الحِذْرُ وَالحَذَر. والنِّجْس وَالنَّجَس. وأَمَّا من قال: أَفكَهُم فإنه يجعل الهاء وَالميم في موضع نصب يقول: ذلك صرفهم عن الآيمان وكذبهم. كما قال عز وجل: {يُؤفَكُ عنه مَن أُفِكَ} أى يصرف عنه مَن صُرِف.{أَولم يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.وقوله: {أَولم يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ}.دخلت الباء لِلَم. والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها. وَيدخلونها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم. وما أظن أنك بقائم وَما كنت بقائم. فإذا خلَّفْتَ الباء نصبت الذي كانت فيه بما يعمل فيه من الفعل. ولوألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفعه لأنه خبر لأن. قال. وَأنشدنى بعضهم: فأدخل الباء في فعلٍ لوألقيت منه نصب بالفعل لا بالباء يقاس على هذا وَما أشبهه.وَقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ: (يَقدِر) مكان (بقادر): كما قرأ حمزة: {وَمَا أنتَ تهدى العمى}. وَقراءة العوام: {بهادى العمى}.{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَاذَا بِالْحَقِّ قالواْ بَلَى وَرَبِّنَا قال فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}.وقوله: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}.فيه قول مضمر يقال: أليس هذا بالحق بلاغٌ. أى: هذا بلاغ رفع بالاستئناف. اهـ.
|